×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / تجريد التوحيد المفيد / الدرس (9) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:287

[المتن]

فَلِمَ كان هٰذا القدر موجباً لسخط الله تعالى وغضبه، ومخلّداً في النار وموجباً لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم؟ وهل يجوز في العقل أن يَشْرع  الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هٰذا إنما استفيد بالشرع فقط، أم ذلك قبيح في الشرع والعقل يمتنع أن تأتيَ به شريعة من الشرائع؟ وما السر في كونه لا يُغفر من بين سائر الذّنوب كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾.[سورة: النساء، الآية (48).]

[الشرح]

أيضًا واصل المؤلف -رحمه الله- ذكر بعض الاستفهامات والأسئلة المتعلقة بالشّرك، يقول –رحمه الله–: (فَلِمَ كان هٰذا القدر موجباً لسخط الله) أي لم كان هـٰذا القدر من صرف العبادة لغيره واتخاذ الشفعاء دونه (موجبا) أي: مسببا ومقتضيا (لسخط الله تعالى وغضبه، ومخلّداً في النار، وموجباً لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم؟) ما الذي جعل الشرك يبلغ هـٰذه المنزلة من عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة من تصديق المؤمنين عليه في الدنيا بسفك الدماء واستباحة الأموال والحريم، ومن العقوبة الشديدة في الآخرة من الغضب والسخط والتخليد في النار؟

ثم قال -رحمه الله-: (وهل يجوز في العقل أن يَشْرع  الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هٰذا إنما استفيد بالشرع فقط) هل يجوز عقلا أن يجعل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من وسائل التقرب إليه ونيل ما عنده من الرحمة والبر أن يجعل بين عباده وبينه وسائط يصلون بهم إليه -جل وعلا-؟ وهـٰذا مسألة التجويز العقلي والشرعي من المباحث الكلامية، هل يجوز عقلا أن يجعل الله تعالى وسائط، أم أن ذلك ممتنعا عقلا وشرعا، فإذا كان يجوز عقلا فما الذي يمنعه منه شرعا؟

هـٰذه أسئلة أوردها المؤلف -رحمه الله- يوردها خصوم دعوة الرسل الذين سووا الشرك ودعوا إليه.

 يقول –رحمه الله–: (ذلك قبيح في الشرع والعقل يمتنع أن تأتيَ به شريعة من الشرائع؟) ثم قال: (وما السر في كونه) أي الشرك (لا يغفر من بين سائر الذنوب) ما السبب، ما الحكمة، ما العلة في كون الشرك لا يغفر من بين سائر الذنوب؟ (كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا[سورة: النساء، الآية (48).]) وساق الآية التي فيها أنه لا يغفر الشرك، وأن الله تعالى يغفر كل ذنب سوى الشرك، ساق الآية ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾،وقوله: ﴿أَن يُشْرَكَ بِهِ لا شك في أن المراد بالآية الشرك الأكبر، وهـٰذا محل اتفاق، واختلفوا في دخول الشرك الأصغر في الآية هل يدخل فيها الشرك الأصغر أو لا؟ هـٰذا على قولين:

من العلماء من قال: إن الشرك الأصغر يدخل في الآية ووجه ذلك أن قوله: ﴿أَن يُشْرَكَ بِهِمؤول بمصدر: إن الله لا يغفر إشراكا به، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، تقديره: (إشراكا) و(إشراكا) نكرة في سياق إيش؟ النفي، فتفيد العموم.

وذهب جماعة من العلماء بأن الشرك الأصغر لا يدخل في الآية؛ بل هو تحت المغفرة، قالوا: إن الإجماع دال على أن الشرك الأصغر لا يدخل في قول الله تعالى:﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)﴾[سورة: المائدة، الآية (72).]هـٰذا بالاتفاق أنه الشرك الأكبر دون الشرك الأصغر؛ لأنه لا يوجب هـٰذه العقوبة، فإذا كان الإجماع منعقد على عدم دخول الشرك الأكبر في الآية الأولى على عدم دخول الشرك الأصغر في آية ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَفكذلك هنا.

وعلى كل حال الآية تنبأ بعظيم خطر الشرك وكبير جرمه، والحقيقة أن الجواب على هـٰذا السؤال يمكن أن يؤخذ من أين؟ من الآية نفسها قول ما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب ذكر الله -جل وعلا- السر والسبب في الآية فقال: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا[ سورة: النساء، الآية (48).] هـٰذا هو الجواب في كون الشرك لا يغفره الله تعالى دون سائر الذنوب وذلك لعظيم الجرم الواقع به  والجناية، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾[سورة: لقمان، الآية (13).].

ثم شرع المؤلف –رحمه الله– في الجواب على هـٰذه الأسئلة، كم سؤال ذكر؟ الوسائط، سؤال الشفاعة، السؤال لم كان بهـٰذه المنزلة، وسؤال هل هـٰذا يمتنع شرعا فقط، أو شرعا وعقلا، والسؤال ما السر في كون الشرك لا يغفره الله تعالى دون سائر الذنوب. كم من سؤال؟ أربع مسائل.

الآن المؤلف -رحمه الله- يشرع في الجواب؛ لكنه في جوابه ابتدأ بذكر مقدمة بين فيها الشرك أقسامه وأنواعه، هـٰذا كالتوطئة لما بعدها حتى يتبين لك الجواب على الأسئلة السابقة، لا بد أن تفهم ما هو الشرك وما هي أنواعه؟

[المتن]

قلنا: الشرك شركان:

شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ لا شريك له في ذاته ولا في صفاته.

وأما الشرك الثاني فهو الذي فرغنا من الكلام فيه، وأشرنا إليه الآن، وسنُشبع الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

[الشرح]

يقول المؤلف –رحمه الله–في جواب هـٰذه المسائل: (قلنا) أي في الجواب (الشرك شركان) هـٰذا التقسيم اصطلاحي أو تقسيم جاءت به النصوص نصا؟ هـٰذا التقسيم استقرائي اصطلاحي، أي أنه مما وقف عليه أهل العلم بالنظر في الأدلة تسهيلا للطالب واختصارا لما دلت عليه النصوص.

يقول –رحمه الله–: (الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود) أي بالله -جل وعلا- (وأسمائه وصفاته وأفعاله) وهـٰذا الشرك في الأسماء والصفات والشرك في الربوبية، هـٰذا النوع الأول الشرك في الأسماء والصفات والشرك في الربوبية، وهو ما يعرف في كلام أهل العلم بشرك الاعتقاد والمعرفة؛ يعني يقابل ما يسميه العلماء توحيد المعرفة والإثبات.

التوحيد يقسمه العلماء إلى قسمين، أو إلى ثلاثة أقسام.

فباعتبار الله –جل وعلا– توحيد المتعلق به، ينقسم إلى قسمين.

وباعتبار التوحيد الواجب على العبد ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

أما الاعتبار الأول، وهو ما يتعلق بالله تعالى، ينقسم إلى:

·       توحيد المعرفة والإثبات.

·       وتوحيد القصد والطلب.

وباعتبار ما يقوم به العبد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

·       توحيد الإلهية.

·       وتوحيد الربوبية.

·       وتوحيد الأسماء والصفات.

فيفرده بالعبادة ويفرده بالربوبية ويفرده بأسمائه وصفاته، فلا يلتبس التقسيم، هـٰذه التقاسيم كلها تقاسيم اصطلاحية.

الآن المؤلف -رحمه الله- ما قال لنا الشرك في الربوبية، الشرك في الإلهية، الشرك في الأسماء والصفات؛ لأن هـٰذا النوع من الشرك تفصيلا يرجع إلى عمل العبد؛ لكنه ذكر في الجمله الشرك بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو ما يقابل توحيد المعرفة والإثبات، وهو ما يسمى بالتوحيد العلمي؛ لأنه يتعلق بالعلم الله تعالى.

والنوع الثاني الذي ذكره هو الشرك في القصد والطلب، ويقابل التوحيد العملي القصدي الطلبي.

يقول –رحمه الله–: (شرك يتعلق بذات المعبود) يعني بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهمنا من هـٰذا أنه باعتبار التقسيم الثلاثي يدخل تحت هـٰذا النوع من الشرك شركان، ما هما؟ الشرك في الربوبية والشرك في الأسماء والصفات.

الشرك في الربوبية تقدم لنا أنه إثبات فاعل مستقل غير الله تعالى، أليس كذلك؟ وهـٰذا معني الشرك في ذات المعبود وأفعاله.

والشرك في الأسماء والصفات له صور؛ منها أن تثبت اشتراك الخلق مع الله تعالى في أسمائه وصفاته، أو مماثلة الله –جل وعلا– للخلق في الصفات، أو ما إلى ذلك من الأمور المتعلقة بهـٰذا النوع من الشرك، فهـٰذا نوع من الشرك سيأتي تفصيله الآن.

هـٰذا النوع الأول من الشرك.

النوع الثاني: يقول: (وشرك في عبادته ومعاملته)، هـٰذا الشرك في توحيد الإلهية، وهو صرف العبادة لغير الله تعالى، صرف العبادة لغير الله –جل وعلا–.

يقول -رحمه الله-: (وإن كان صاحبه يعتقد أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ لا شريك له في ذاته ولا في صفاته.) يعني: وإن كان صاحبه قد أقر بأنه رب العالمين، وأنه الكامل في صفاته، وأنه لا شريك له في أسمائه وصفاته، فهـٰذا يوصف بأنه شرك، وإن كان قد حقق شيئا من التوحيد في توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

يقول -رحمه الله–: (فأما الشرك الثاني) الآن بدأ بالشرك الثاني مع أنه في التقسيم ذكر أولا الشرك المتعلق بذاته، وأخر ذكر الشرك في العبادة، يقول: (أما الشرك الثاني فهو الذي فرغنا من الكلام فيه) وهو ما يكون في الألفاظ وما يكون في الإرادات وما يكون في الأفعال، وهو صرف العبادة لغير الله تعالى، وسيأتي مزيد البحث فيه يقول: (وأشرنا إليه الآن، وسنُشبع الكلام فيه إن شاء الله) أي سنرد البيان والبسط والتوضيح لهـٰذا النوع فيما يأتي.

يقول:

[المتن]

أما الشرك الأول فهو نوعان:

أحدهما شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون في قوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[سورة: الشعراء، الآية (23).]؟ وقال: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾[سورة: غافر، الآيات (36-37).]..[في الأصل: [ وقال لهامان: ﴿ابن لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. قلت: وهو خلط بين سورة غافر والقصص، ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾[القصص:31].]

والشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطّل، وكل معطّل مشرك؛ لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقرًّا بالخالق –سُبْحَانَهُ- وصفاته، ولكنه معطل حق التوحيد.

[الشرح]

يقول –رحمه الله–: (أما الشرك الأول فهو نوعان) نصطلح على الشرك الأول، على أنه  الشرك في العلم والمعرفة والإثبات وهو ما يتعلق بالربوبية والأسماء والصفات.

يقول –رحمه الله–: (أحدهما شرك التعطيل) يعني الشرك الواقع بسبب التعطيل، فهـٰذا من باب إضافة المصدر إلى سببه، والتعطيل هو الإخلاء من حيث اللغة، ومن حيث الاصطلاح هو تخلية الله تعالى عن ما اتصف به تعالى عن ما ثبت له من الأفعال والصفات،  ما ثبت له من الأفعال والصفات إما كليا وإما جزئيا.

يقول –رحمه الله–: (وهو أقبح أنواع الشرك) نعم هو أقبح أنواع الشرك، وهو أعظم أنواع الإلحاد بالله تعالى لأنه إلغاء كلي للرب -جل وعلا-، أعوذ بالله نفي كامل لمن لا تستقيم الدنيا إلا به –جل وعلا– يقول المؤلف: (كشرك فرعون) وهـٰذا صورة من صوره شرك التعطيل ليس صورة واحدة إنما هو صور، ولذلك يقول: (وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون) وهو مراتب سيأتينا أعلاها وأشدها وأعظمها الشرك الذي وقع فيه فرعون، وهو إنكار الله –جل وعلا–، نفي وجوده سبحانه وبحمده، وهو أقبح شرك وقع في العالم، يقول الله تعالى في خبر ما قاله فرعون: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين[سورة: الشعراء، الآية (23).] هـٰذا لما دعاه موسى عليه السلام إلى الله –جل وعلا– قال منكرا: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين الاستفهام هنا هل هو استفهام استعلام أو استفهام إنكار؟

من العلماء من يقول: إنه استفهام استعلام؛ لكن هـٰذا ليس بالصحيح، هـٰذا استفهام إنكار واستكبار وجحد، وليس استفهام استعلام، يدلك على هـٰذا المعني في هـٰذا الاستفهام ما ذكره المؤلف –رحمه الله– من الآية في سورة غافر حيث قال فرعون لهامان: ﴿ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباًفيما يدعو إليه من عبادة ربّ العالمين كما أن سياق الآيات التي ذكرها الله تعالى في سورة الشعراء، دال على عظيم تكذيبه حيث إنه لما قال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ،﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ[سورة: الشعراء، الآية (26).] وهو ذكر لهم من أوصاف الرّب –جل وعلا– ما يتبين به صدق ما يدعو إليه، ومع ذلك قال له في ختام المناقشة والمجادلة: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ[سورة: الشعراء، الآية (26).] انتقل بعد المحاجةالنظرية إلى إقامة الدلائل المشاهدة البصرية التي لا يمكن جحدها وهي الآية التي جاء بها، وهـٰذا يدلّ على أنه ما صدّق ولا آمن ولا رضي بما دعاه إليه موسى عليه السلام، فهـٰذا الاستفهام استفهام إنكار وليس استفهام استعلام.

ثم إنه لم يقتصر على هـٰذا بل إنه ادعي  الربوبية فقال:  وأنا ربكم الأعلى، قال: ما علمت لكم من إله غيري. وهـٰذا يبين أن الفطرة الإنسانية مجبولة على اتخاذ رب، لا يمكن أن يخلوا العباد من معبود يتوجهون إليه وينجذبون إليه ويتعبدون له، فرعون لما أخلى العالم من رب يدبره ويصرفه ويخلقه وله فيه الشؤون التي يجريها –جل وعلا– اضطر إلى أن يثبت ربا فاختار نفسه، فقال: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[سورة: النازعات، الآية (24).].

ثم قال في هـٰذا الشرك يقول -رحمه الله-: (والشرك والتعطيل) الشرك وهو تسوية غير الله تعالى به، والتعطيل وهو القصور في حق الله تعالى في ربوبيته وأسمائه وصفاته (متلازمان) أي قرينان، فهـٰذا يؤدي إلى ذالك وذالك يؤدي إلى هـٰذا، فالتلازم هو الاقتران، لا ينفك الشرك عن التعطيل ولا التعطيل عن الشرك، ولذلك قال: (فكل مشرك معطل) لماذا؟ لأن كل مشرك قد نقص الله حقه وأخلاه عن ما يجب له، (وكل معطل مشرك) لأنّ من أخلى الله تعالى عن ما يجب له في ربوبيته، أو إلهيته؛ فإنه شبهه بالمخلوقين، ولذلك يقول أهل العلم: كل معطل ممثل؛ لأنه لا يصل إلى التعطيل إلا إذا خطا زلفة التمثيل، يعني لا يمكن أن يصل إلى التعطيل إلا إذا مثل الله-جل وعلا– بالخلق، وهـٰذا معنى قوله –رحمه الله– (فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك).

ثم قال -رحمه الله- لبيان دفع توهم أن كل مشرك فإنه يصل به الحال إلى قول فرعون، قال: (لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل) يعني لا يستلزم أن يصل به الحد إلى التعطيل الكامل الكلي الذي وقع من فرعون، عليه من الله اللعائن؛ (بل يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته ولكنه معطل حق التوحيد)، يقول -رحمه الله-: (بل يكون المشرك مقرا بالخالق) يعني يثبت وجود الله تعالى ويقر به، وأنه خالق كل شيء وأنه رب كل شيء، ويثبت صفاته ولكنه معطل حق التوحيد؛ يعني التعطيل في جانب من جوانب الحقوق لا في كلها.

ومن هـٰذا نفهم أن التعطيل درجات، وليس درجة واحدة.

يقول -رحمه الله–:

[المتن]

وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام:

أحدها: تعطيل المصنوع عن صانعه.

الثاني: تعطيل الصانع عن كماله الثابت له.

الثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.

[الشرح]

المؤلف -رحمه الله- قسّم الشرك فيما تقدم إلى قسمين، فقال: (شرك متعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله)، والشرك الثاني (شرك في عبادته ومعاملته)، ثم عاد فقال: (الشرك الأول فهو نوعان) (شرك التعطيل) هـٰذا الأول، والثاني شرك التمثيل، قد ذكرنا أن التعطيل يدور معناه على التخلية، والمقصود بالتعطيل هنا إخلاء الله تعالى عن ما يجب له من الكمال في أسمائه وصفاته وربوبيته وإلهيته.

يقول: (وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون) وذكر ما جاء في شرك فرعون، ثم قال: (والشرك والتعطيل متلازمان) وتكلّمنا على هـٰذا في الدرس السابق؛ لكن كثر السؤال إيش معنى الشرك والتعطيل متلازمان؟ معنى قوله -رحمه الله-: (الشرك والتعطيل متلازمان) أي أنه كل واحد منهما إذا وقع فيه الإنسان فإنه لازم للآخر، فكل مشرك لا بد أن يقع في شيء من التعطيل وكل معطل لا بد أن يقع في شيء من الشرك والتسوية وإخلاء الله تعالى عن ما يجب له، يتضح هـٰذا بالتقسيم الذي ذكره المؤلف –رحمه الله–؛ لكن معنى التلازم؛ ما هو معنى التلازم؟ أنهما على كل واحد منهما يلزم الآخر، الوقوع في أحدهما يلزم منه الوقوع في الآخر، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- هـٰذا في مواضع عديدة وبسط هـٰذا في كتاب الصواعق المرسلة، قال في نونيته –رحمه الله-:

واعلم أن الشرك والتعطيل

 

مذ كانا هما لاشك مصطحبان

 

يعني يقترن أحدهما بالآخر،

أبدا فكل معطل هو مشرك

 

حتما وهـٰذا واضح التبيان

 

 ملخص الارتباط بين الشرك والتعطيل أنه إذا عطل العبد الله –جل وعلا– عن ما يجب له من كمالات، إما عطل وجوده كما وقع من فرعون، أو عطل كمالاته –جل وعلا– من أسمائه وصفاته فإنه لا بد أن يتعلق بغيره، ولذلك فرعون لما عطل الإله ونفى أن يكون في الكون رب ماذا قال؟ ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىلأن القلوب مفطورة أن تتجه إلى محبوب ومعبود وتعظمه وترتبط به، فلذلك أشرك بنفسه أشرك بنفسه فجعل نفسه إلـٰها من دون الله –جل وعلا–، وهـٰذا نوع شرك لأنه جعل ما لله  -عز وجل- له فجعل نفسه الخالق الرازق المالك المدبر، وهـٰذا شرك، فالتعطيل أفضل من الشرك التعطيل نفي الإله، ما علمت لكم من إلـٰه؛ قال: غيري. أنا ربكم الأعلى، فالتعطيل تعطيل الله –جل وعلا– أفضى به إلى أي شيء؟ إلى الشرك، إذا هناك ارتباط بين التعطيل والشرك.

ثم إن التعطيل الجزئي لا بد من أن ينقص من محبة الله تعالى، فالذي ينفي صفات الله تعالى إما كليا أم جزئيا لا بد أن يقع في قلبه انصراف إلى غيره؛ لأن هـٰذه الصفات توجب محبته والتعلق به، وتوجب تعظيمه وما إلى ذلك من الأعمال القلبية التي ضعفها هو ضعفه في توحيد العبادة، وفيه نوع شرك.

وأما المشرك، فالمشرك معطل أيضا لماذا؟ لأنه أخلى الله –جل وعلا– عن ما يجب له، فالذي يصرف العبادة لغير الله تعالى فإنه قد عطل، عطل الله عن ما يجب له، ما الذي يجب له؟ العبادة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[سورة: الذاريات، الآية (56).] هـٰذا يعني اختصار ما ذكره المؤلف -رحمه الله–، أو توضيح لما ذكره –رحمه الله– في قوله: (والشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك؛ لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل) يعني: لا يستلزم أن يعطل الإنسان بالكلية، قد يكون التعطيل في بعض جوانب حقوق الله تعالى؛ (بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق وصفاته لكنه معطل حق التوحيد) يعني ما يقتضيه التوحيد من إفراد الله تعالى بالعبادة، ما هو حق التوحيد؟ إفراد الله تعالى بالعبادة.

يقول -رحمه الله–: (وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل)؛ (أصل الشرك) أي أن الشرك لا يكون إلا بتعطيل، هـٰذا هو معنى (أصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل) فلا يمكن أن يكون شركا إلا بتعطيل، ولذلك قال:

واعلم أن الشرك والتعطيل

 

مذ كانا هما لاشك مصطحبان

 

 

لابد

أبدا فكل معطل هو مشرك

 

حتما وهـٰذا واضح التبيان

 

يقول –رحمه الله–: (وهو ثلاثة أقسام أحدها تعطيل المصنوع) يعني المخلوق (عن صانعه) يعني عن خالقه، وهو بأن يخرج خلق الله تعالى يقال: هـٰذا ليس من خلق الله تعالى، ويقال: إن الله لم يخلق هـٰذا الفعل أو لم يخلق هـٰذا القول، وهـٰذا من جنس سيبين –رحمه الله- أنواع من الشرك تندرج تحت هـٰذه الأقسام.

ومن هـٰذا شرك فرعون حيث عطل المصنوع عن صانعه فقال: أنا ربكم الأعلى، ما علمت لكم من إلـٰه غيري. فنفى أن يكون لهـٰذا الكون ربا سواه.

طيب واضح النوع الأول؟ (تعطيل المصنوع عن صانعه) ومنه شرك القدرية الذين يقولون: إن العباد يفعلون يخلقون أفعال أنفسهم.

يقول – رحمه الله –: (الثاني تعطيل الصانع عن كماله الثابت له) وهـٰذا يندرج تحته كل ما يكون من تعطيل الصفات والأسماء، فالجهمية والمعتزلة والأشعرية والكلابية كلهم لهم نصيب من هـٰذا النوع على اختلاف وتفاوت في درجاتهم، فأعلاهم غلاة الجهمية الذين لا يصفون الله تعالى شيء مطلقا، ثم يتدرجون شيئا فشيئا إلى أن يصلوا إلى أقربهم إلى أهل السنة وهم الأشاعرة الذين يثبتون لله بعض الصفات وينفون عنه بعضها أو أكثرها.

يقول –رحمه الله–: (الثاني: تعطيل الصانع عن كماله الثابت له.) في أسمائه وفي صفاته، واضح هـٰذا؟

النوع (الثالث) من التّعطيل (تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد) وهـٰذا الذي يقع فيه من اتخذوا من دون الله أولياء يحبونهم كحب الله، هـٰذا النوع من التعطيل هو تعطيل من وقعوا في شرك العبادة، من وقعوا في شرك العبادة فصرفوها لغيره.

إذن من حيث التقسيم للتعطيل:

النوع الأول (أحدها تعطيل المصنوع عن صانعه)، هـٰذا شرك في الربوبية.

(تعطيل الصانع عن كماله الثابت له)، هـٰذا شرك في الأسماء والصفات.

(تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد) هـٰذا شرك في الإلهية.

وبه يعلم أنّ الشرك لا يكون إلا بتعطيل، لا يكون إلا بتعطيل، وهو معنى قوله –رحمه الله–: (وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل) وبه يتبين تلازم واقتران الشرك بالتعطيل.

[المتن]

ومن هٰذا شرك أهل الوحدة، ومنه شرك الملاحدة القائلين بِقَدَم العالم وأبديته وأن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، ويسمونها العقول والنفوس.

ومنه شرك معطلة الأسماء والصفات كالجهمية والقرامطة وغلاة المعتزلة.

[الشرح]

يقول –رحمه الله–: (ومن هـٰذا شرك أهل الوحدة ومنه شرك الملاحدة(من هـٰذا) يريد إيش؟ يريد من هـٰذه الأقسام المتقدمة، وليس من الشرك الأخير الذي يتعلق بمعاملة الله تعالى، من هـٰذا شرك أهل الوحدة، مع أن الوحدة عندهم شرك في العمل والعبادة، مع أنهم عطلوا الله تعالى عن الخلق فقالوا بوحدة الوجود، وأن الخالق هو المخلوق، وأن الرب هو المربوب، فعطلوا المصنوع عن صانعه؛ لأنهم ما عندهم صانع ومصنوع، إنما عندهم أن الله تعالى يظهر في كل شيء، فهو الظاهر والباطن في خلقه، فلا يخفى في الكون ولا يتميز عن المخلوق؛ بل هو المخلوق.

الرب عبد والعبد رب

 

ياليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك رب

 

أو قلت رب أنى يكلف

 

 فهـٰذا يبين أنهم خلطوا بين الرب، فعطلوا الصانع عن المصنوع؛ لأنهم سووا بينهما فقالوا: كل ما في هـٰذا الكون هو الإله. ومن كبراء هـٰذا الطريق ابن العربي وابن الفارض وابن سبعين جماعة من أئمة الضلال يقول: (ومنه شرك الملاحدة القائلين بِقَدَم العالم) معنى (قدم العالم) أن العالم غير مخلوق لله تعالى بل هو قديم قدم الرب –جل وعلا–؛ يعني هو الأول الذي ليس قبله شيء، هـٰذا معنى (قدم العالم) وهـٰذا شرك الملاحدة الدهرية الذين لا يقولون بإله في الحقيقة، إنما يقولون: هـٰذا العالم قديم، وكل ما فيه حادث؛ لكن العالم من حيث جنسه قديم، لم يسبقه عدم، وهؤلاء عطلوا الصانع أو عطلوا المصنوع عن الصانع أليس كذلك ؟ فأخرجوا عن خلق الله تعالى عن خلق العالم، قالوا: الله لم يخلق هـٰذا العالم لأن الله والعالم قديمان؛ لأن الله والعالم قديمان هـٰذا معنى قوله –رحمه الله-. هـٰذه أي نوع من أنواع التعطيل؟ تعطيل المصنوع عن صانعه.

قال: (وأن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، ويسمونها العقول والنفوس) وهـٰذا شرك الملاحدة، تفصيل لشرك الملاحدة (بقدم العالم وأبديته بقدمه) في الأزل، وأبديته في الأبد في المستقبل فهو الأول والأخر، هـٰذا معنى قولهم: (بقدم العالم) أنه أول ليس قبله شيء، وأنه آخر ليس بعده شيء، يعني لا يفنى.

ثم قال –رحمه الله–: (أن الحوادث بأسرها) يعني بجميع ما يقع منها مستندة إلى أسباب ووسائط ليست من خلق الله تعالى، إنما هي أسباب ووسائط أثمرتها وأنتجتها، (أسباب) جمع سبب و(وسائط) جمع وسيطة أو وساطة، فعائل هي جمع لفعيلة أو فعالة مثل العمامة وعمائم، المقصود وسائط هنا هي جمع وساطة ووسيطة، مثل صحيفة وصحائف.

طيب يقول: (اقتضت إيجادها يسمونها العقول والنفوس) هـٰذا تقدم لنا، هم يقولون كم هي العقول؟ الفلاسفة يقولون كم هي العقول؟ يقولون: عشرة، وهـٰذه العقول لها نفوس، وعدوها بتسعة نفوس، وكل عقل يوجد ما بعده، وأما الله –جل وعلا– لا إيجاد له ولا خلق، هؤلاء كلهم يدخلون في النوع الأول الذي ذكره  المؤلف -رحمه الله– وهو تعطيل المصنوع عن صانعه.

قال: (ومنه) أي: من أنواع التعطيل هو من الشرك أيضا (شرك معطلة الأسماء والصفات)، (معطلة) أي الذين عطلوا الله –جل وعلا– عن أسمائه وصفاتهـ وذكرنا أن التعطيل كم نوع ؟ كم أنواع التعطيل؟ في الجملة نوعان: تعطيل كلى، وتعطيل جزئي.

التعطيل الكلي الذي نفي الأسماء والصفات، وهم الجهمية والقرامطة.

وتعطيل جزئي، وهم الذين نفوا الصفات دون الأسماء كالمعتزلة، أو نفوا بعض الصفات، وأثبتوا بعضا كالأشاعرة.

يقول المؤلف –رحمه الله–: (ومنه شرك معطلة الأسماء والصفات كالجهمية) نسبة إلى جهم بن صفوان (والقرامطة) نسبة إلى حمدان قرمط، وقيل: إنهم نسبة إلى رجل من العجم كان في عينيه حمرة فسموه: قرمتي سموه، ثم أطلق عليه قرمطية وتناسلوا وعرفوا أولاده وأهله ومن يتبعه بهـٰذا الاسم؛ لكن الظاهر النسبة الثانية أقرب وهي المشهورة في كلام العلماء أنه نسبة إلى حمدان قرمط.

ويقول –رحمه الله–: (وغلاة المعتزلة) المعتزلة ما عقيدتهم؟ نفي الصفات بالكلية، وإثبات الأسماء لله تعالى، وأن الأسماء مجرد أعلام، فالسميع كالبصير والبصير كالحليم والحليم كالعزيز والعزيز كالرحيم..

هـٰذا كله لبيان أن الشرك أصله إيش يا إخواني ؟ أصله التعطيل.

[المتن]

النوع الثاني: شرك التمثيل، وهو شرك من جعل معه تَعَالىٰ إلـٰها آخر، كالنّصارى في المسيح واليهود في عزير، والمجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النّور، وحوادث الشر إلى الظلمة.

وشرك القدرية المجوسية مختصر منه، وهؤلاء أكثر مشركي العالم، وهم طوائف جمة:

منهم من يعبد أجزاء سماوية.

ومنهم من يعبد أجزاء أرضية.

ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده أكبر الآلهة.

ومنهم من يزعم أنه إلـٰهه من جملة الآلهة.

ومنهم من يزعم أنه إذا خصه بعبادته والتبتّل إليه أقبل عليه واعتنى به.

ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى الأعلى الفوقاني، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه، حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ، فتارة تكثر الوسائط وتارة تقل.

فإذا عرفت هٰذه الطوائف وعرفت اشتداد نكير الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على من أشرك به تعالى في الأفعال والأقوال والإرادات كما تقدّم ذكره، انفتح لك باب الجواب عن السؤال.

[الشرح]

 (النوع الثاني) من أنواع الشرك يقول: (شرك التمثيل) والتمثيل هو أن يجعل لله تعالى مثيلا إما في أسمائه أو في صفاته أو في أفعاله أو فيما يجب له، وقد نفى الله –جل وعلا– عن نفسه المثل في مواضع كثيرة من كتابه، منها قول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[سورة: الشورى، الآية (11).]، منها قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[سورة: البقرة، الآية (22).]، ومنها قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ[سورة: النحل، الآية (74).] ، ومنها قول الله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[سورة: مريم، الآية (65).] ، ومنها قول الله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ[سورة: الإخلاص، الآية (04).] كل هـٰذه الآيات وغيرها يدل على نفي المثل عن الله –جل وعلا–، وأنه لا مثيل له سبحانه وبحمده، وهـٰذا النفي يدلك على عظيم كمال الرب –جل وعلا– الذي ليس له نظير ولا كفء ولا ند ولا مثل سبحانه وبحمده.

(شرك التمثيل وهو شرك من جعل معه تعالى إلها آخر)، (إلها) أي مألوها، إله فعال بمعنى مفعول كما تقدم؛ أي مألوه يحبه ويعظمه يتقرب إليه بأنواع القرب، كالنصارى في المسيح حيث جعلوا من ؟ عيسى ابن مريم إلها من دون الله يحبونه ويعبدونه من دون الله –جل وعلا– ويدعونه ويصفون له أنواع العبادة. واليهود في عزير، كما قال الله تعالى:﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ[سورة: التوبة، الآية (30).] جعلوه ابنا لله –عز وجل- ليتوصلوا إلى أي شيء؟ إلى العبادة هي نسبة الولادة إنما كانت سلما لصرف العبادة، فابن الله يستحق من العبادة أو شيء من العبادة تناسب هـٰذه البنوة وهـٰذه الصلة بينه وبين رب العالمين، تعالى الله عن ما يقولون علوا كبيرا.

يقول –رحمه الله-: (والمجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النّور وحوادث الشر إلى الظلمة) هؤلاء أيضا أشركوا مع الله تعالى، هم عطلوا الله لا شك من أن الجميع وقع في نوع تعطيل لا إشكال فيما تقدم؛ لكن هؤلاء أيضا جمعوا مع التعطيل تمثيلا،وهو أنهم مثلوا الله تعالى في خلقه في صرف العبادة، مثلوا الخلق بالله تعالى بصرف العبادة إليهم، فالذي قال: إن حوادث الخير مستندة إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، يتقرب إلى الظلمة بما يدفع شرها، يتقرب إلى آلهة الظلمة بما يدفع شرها، والمعطل والممثل كلاهما يشتركان في عدم تحقيق العبودية، يقول ابن القيم -رحمه الله-:

إن المعطل والممثل ما هما

 

متيقنين عبادة الرحمـٰن

 

أي أنهم لا يتيقن ولا تتحقق في مسألة عبادة الرحمـٰن

لا عابد المعدوم لا سبحانه

 

......................................

 

أي لا الله –جل وعلا–.

.....................................

 

أبدا وهـٰذا عابد الأوثان

 

 هكذا حال المعطل وحال الممثل في أن الجميع قادح في العبودية.

يقول: (وشرك القدرية المجوسية مختصر منه) من إيش ؟ من شرك المجوسية، قال –رحمه الله–: (وهؤلاء أكثر مشركي العالم) يعني الشرك في التمثيل أعظم من الشرك في التعطيل، شرك التمثيل أكثر من شرك التعطيل، ولذلك أنه لا بد للناس من آلهة يعبدونها، لا بد للناس من تعلق قلوبهم بشيء، فإذا انصرفت عن الله –عز وجل–والخلق مفطورون على العبودية.

قال -رحمه الله-: (وهم طوائف جمة) من هم؟ أصحاب شرك التعطيل طوائف جمة، أي كثيرة متعددة، ضرب منها أمثلة، قال: (ومنهم من يعبد أجزاء سماوية) مثل من ؟ قوم إبراهيم، فإنهم كانوا يعبدون النجوم والكواكب فقال: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)[سورة: الصافات، الآيات (88-89).] بناء على ما كان يعتقده هؤلاء من أن النجوم تقضي وتحكم ولها أثر وتأثير على الحوادث الأرضية.

قال: (ومنهم من يعبد أجزاء أرضية) كالذي يعبد الأشجار أو الأحجار (ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده أكبر الآلهة) أي أكبر المعبودات، فالآلهة ليست على درجة واحدة؛ بل هي درجات،  ومن ذلك مناة عند قومممن كانوا يعبدونها يجعلونها كبيرة الآلهة، ولذلك قال الله تعالى في سورة النجم:﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى[سورة: النجم، الآية (19).] ثم قال:﴿وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى[سورة: النجم، الآية (20)]خص مناة بوصفين دون اللَّاتَ وَالْعُزَّى وذلك لعلوا شرفها عند عابديها، فقال: ﴿وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىتنبيها إلى عظيم ما كان يصرف إليها من العبادة وما يقع بسببها من الشرك، فالآلهة ليست على درجة واحدة.

قال: (ومنهم من يزعم أنه إلـٰهه من جملة الآلهة) يعني كسائر الآلهة (ومنهم من يزعم أنه إذا خصه بعبادته والتبتّل إليه أقبل عليه واعتنى به، ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى الأعلى الفوقاني، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه، حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ)، وهـٰذا الشرك المذكور في قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[سورة: الزمر، الآية (03).]  قال: (فتارة تكثر الوسائط) يعني بين الله –عز وجل– وبين عباده (وتارة تقل) والوسائط هنا وسائط شركية، نفاها الله تعالى وبين بطلانها وكذب أصحابها.

يقول -رحمه الله –: (فإذا عرفت هـٰذه الطوائف) وما تندرج تحته من أنواع الشرك، (فإذا عرفت هٰذه الطوائف وعرفت اشتداد نكير الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على من أشرك به تعالى في الأفعال والأقوال والإرادات كما تقدّم ذكره، انفتح لك باب الجواب عن السؤال.) أي سؤال؟ الأسئلة المتقدمة التي ختم بها المؤلف -رحمه الله- ذكر أنواع الشرك في الإرادة وفي اللفظ وفي العمل وهي قوله -رحمه الله- فيما يتعلق بالوسائط: (وهل يجوز في العقل أن يشرع الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء، وما السر في كونه لا يُغْفَرْ من بين الذنوب) ما تقدم من الأسئلة.

إذن الآن تقسيم المؤلف -رحمه الله- للشرك إلى نوعين: شرك تعطيل وشرك تمثيل وما ذكره تحت هاذين القسمين، إنما هو توطئة لجواب، توطئة وتمهيد للجواب الذي سيذكره –رحمه الله-.

[المتن]

 فنقول: اعلم أن حقيقة الشرك:

1.   تشبيه الخالق بالمخلوق.

2.   وتشبيه المخلوق بالخالق.

[الشرح]

الآن المؤلف –رحمه الله– بيّن لنا حقيقة  الشرك، ومعرفة حقيقة الشرك تُعين الإنسان على اجتنابه، وأيضا تعين الإنسان في الحكم على الأفعال، تعين الإنسان في الحكم على الأفعال، إذا عرف حقيقة الشرك فإنه سيحكم هل هـٰذا الفعل شرك أو ليس بشرك.

يقول: (اعلم أن حقيقة الشرك) يعني مداره وأصله وقاعدته (تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق) لا يخرج عن هذين المعنيين (تشبيه الخالق بالمخلوق) تمثيل الله تعالى بعباده يد الله كأيدينا هـٰذا في الحقيقة تشبيه الخالق بالمخلوق، وهـٰذا شرك الممثلة الذين شبهوا الخالق بالمخلوق، ويمكن أيضا يكون في العبادة بأن يقولوا في الله تعالى كما يقولوا في الخلق، فيقيس الله تعالى على خلقه يقيس الله تعالى على خلقه، وهـٰذا لا شك أنه من الشرك؛ لأنه تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق هـٰذا عكس، تشبيه المخلوق بالخالق أي جعل المخلوق كالخالق، إلحاق المخلوق بالخالق؛ يعني الأول إلحاق الخالق بالمخلوق، فالأصل هو إيش ؟ الخالق أو المخلوق؟ لا، تشبيه الخالق بالمخلوق الأصل المقيس عليه، ما هو؟ المخلوق. وفي الثاني الأصل المقيس عليه من هو؟ الخالق.

وبه يتميز النوعان، وسيأتي تفصيل كل نوع من هذين النوعين؛ لكن اعرف أن النوع الأول الأصل هو المخلوق والله المقيس به، وهو تشبيه الخالق بالمخلوق، وفي الثاني تشبيه المخلوق بالخالق الأصل المقيس عليه ما هو؟ الخالق، والمخلوق ملحق به لأن القياس لا بد فيه من أصل وفرع، وعلة تجمع بين الأصل والفرع.

فهنا تشبيه الخالق بالمخلوق الأصل هو المخلوق، والفرع يعني المقيس هو الخالق.

وفي قوله: (تشبيه المخلوق بالخالق) الأصل هو الخالق والملحق المقيس هو إيش ؟ المخلوق واضح هـٰذا طيب يأتي بيان التفصيل في كلام المؤلف –رحمه الله–.

[المتن]

أما الأوّل فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وهي التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تَعَالىٰ، وسوّى بين التراب ورب الأرباب، فأيّ فجور وذنب أعظم من هٰذا؟.

واعلم من خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلا وشرعاً وفطرة، فمن جعل ذلك لغيره، فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً.

ومن خصائص الإلهية: العبودية التي لا تقوم إلا على ساقي الحب والذل، فمن أعطاهما لغيره، فقد شبهه بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ- في خالص حقه، وقبح هٰذا مستقر في العقول والفطر، ولكن لما غيّرت الشياطين فِطر أكثر الخلق واجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً –كما رَوى ذلك عن الله أعرف الخلق به وبخلقه[مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، حديث رقم (2865).] – عَمُوا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسناً.

[الشرح]

يقول المؤلف -رحمه الله-: (فنقول: اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق. وتشبيه المخلوق بالخالق.) هـٰذا في سياق جوابه على الأسئلة التي تقدّمت وهي ما يورده المشركون من أن شركهم إنما هو لتعظيم الله تعالى وليس نقصا في حقه، قياسا على البشر، فيما إذا أراد أحدهم شيئا، فإنه يتوسل إلى ذلك بأنواع من الوسائط والوسائل التي توصله إلى مقصوده.

والسؤال الآخر لما كان هـٰذا القدر موجبا لسخط الله تعالى مع أن هـٰذا ما في قلب صاحبه.

وأيضا السؤال الثالث هل يجوز عقلا، يُجعل بين الله تعالى وسائط وبين خلقه.

 السؤال الرابع هو لماذا اختص الشرك لا يغفره الله تعالى من بين سائر الذنوب.

يقول في الجواب -حمه الله-: (اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق. وتشبيه المخلوق بالخالق.) ثم فصل هـٰذا الإجمال الذي ذكره –رحمه الله– فقال: (أما الأول) الذي هو تشبيه الخالق بالمخلوق، وهو النزول بالله –جل وعلا– إلى مرتبة المخلوقين يقول –رحمه الله–: (فإن المشرك شبه المخلوق بالخالق) وهو  -رحمه الله– بدأ بالنوع الثاني أو الأول؟ بدأ بالنوع الثاني قدّم النوع الثاني على النوع الأول، وسيأتي ذكر النوع الأول في كلامه -رحمه الله– في قوله: (وأما تشبيه المخلوق بالخالق) يقول –رحمه الله-: (هـٰذا في جانب التشبيه وأما في جانب التشبّه فمن تعاظم..) التشبه بالخالق.

عندنا المعنى الأول تشبيه الخالق بالمخلوق.

والمعنى الثاني تشبيه المخلوق بالخالق.

يقول: (أما الأول) الذي هو تشبيه الخالق بالمخلوق، يقول: (فإن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص[الربوبية]) الحقيقة أن تشبيه  الخالق بالمخلوق يمكن أن يقول هنا أن هـٰذا تشبيه الخالق للمخلوق من حيث أنه جعل للمخلوق ما للخالق، في خصائص الإلهية، يقول –رحمه الله–: (فإن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية) ثم ذكر جملة من الخصائص، وهـٰذه الخصائص بعضها مما يتعلق بالربوبية، وبعضها مما يتعلق بالأسماء والصفات، وبعضها مما يتعلّق بالإلهية؛ لكن المؤلف –رحمه الله– جعلها من خصائص الإلهية؛ لأنها مما لا تتم الإلهية إلا بالإقرار به

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91758 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87327 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف